يتمتع الكاتب السوداني الطيب صالح بشعبية عربية جارفة، أحبه القراء منذ
كتب "موسم الهجرة إلى الشمال"، ورغم قلة أعماله الروائية ومنها "ضو
البيت"، و"عرس الزين" و"مريود" فإن القارئ يترقب أن يعود يوما إلى
الكتابة الروائية التي هجرها منذ ثلاثين عاما تقريبا، حتى إن كتابه
الأخير "منسي" اعتبر بشكل ما عملا يخلط بين الرواية والسيرة. والطيب صالح
لم يكف عن كتابة المقالات يوما وعمل في وظائف متعددة في اليونيسكو،
وهيئة الإذاعة البريطانية وأيضا كمستشار ثقافي لدولة قطر، وهو إذ يعيش
في لندن منذ كان في العشرينات من عمره، وينتقل الآن
بين كثير من البلاد مستمتعا بوقته بعد أن تقاعد من عمله، لا يبتعد كثيرا
عن الوطن العربي أو بلده السودان. حاز الطيب صالح أخيرا جائزة الملتقى
الثالث للرواية العربية الذي انعقد في مصر، وهو شخصية اشتهرت بخفة الدم
والبساطة والهدوء، وكنت قد همست في أذنه مباركة قبل أن يبدأ الحفل
بدقائق ظنا مني أنه يعرف فقال لي مبتسما إذا كان الأمر كذلك فهذا شيء
عظيم، ثم عرفت بعد الحفل أنه لم يكن يعرف نبأ فوزه إلا حين قال لي إن
مباركتي له أعطته فرصة لكي يفكر في كلمته التي سيلقيها إذا ما فاز. هنا
حوار مع الطيب صالح الزاهد في الحوارات الصحافية.
كيف تقضي وقتك؟
- أقرأ وأكتب، أسمع الموسيقا، وأشاهد التلفزيون، أذهب أحيانا إلى
المسرح وأحب المشي ولأنني اسكن في ضاحية "ويمبلدون" فالمجال متاح للمشي
اليومي وأذهب إلى وسط المدينة في بعض الأيام لأقابل الأصدقاء.
ماذا تكتب؟
- بعض المقالات والانطباعات وأفكر في الروايات.
لابد أن أسألك ما يسألك الناس دائما عنه لماذا توقفت عن إكمال الجزء
الثالث من "بندر شاه" ولماذا لم تكتب روايات أخرى؟
- كنت اكتب في صفحة أسبوعية في مجلة "المجلة"، والكتابة الروائية تحتاج
إلى مزاج خاص وإن شاء الله أعود إليها.
من أين يأتي التأكد من عودتك لها رغم مرور وقت طويل؟
- أنا اعمل بطريقة غير منظمة، اترك الأشياء تختمر في ذهني لمدة،
ومشروع "بندر شاه" مشروع مهم بالنسبة لي ولابد أن أكمله.
(باغته بالسؤال): من أنت؟
- أجاب: أنا إنسان عادي كما ترين من الشمال الأوسط في السودان، مررت
بالمراحل التعليمية التي مر بها جيلي، ثم ذهبت إلى لندن لأكمل الدراسة،
بالمصادفة، والتحقت بالعمل في ال "بي. بي. سي" لكي أعمل وأدرس وكما
يحدث في الحياة شيء يقود إلى شيء، وجدت نفسي أمشي في طرق لم يخطر ببالي
أن أمشي به من قبل.
ما الذي اختلف أو أضافته الحياة أثناء رحلتك حتى وصلت إلى هذه الفترة
من العمر؟
- معايشة الحياة في الغرب تجربة كبيرة لأنني ذهبت إلى لندن في أوائل
العشرينات من عمري، ووجدت حياة مختلفة عما تعودت عليه، وجدت نفسي أعيش
في غرفة من أربعة جدران بعد أن كنت أعيش في بيوت لها أحواش واسعة،
ووجدتني اعتمد على ذاتي وأنا قادم من بلد كله أهلي، آلاف البشر، والفضاء
في السودان واسع في حين أن الفضاء ضيق في الغرب، وقد وصفت البرد القاسي
في كتابتي لأنني قادم من بلد دافئ، وكان صعب عليّ التأقلم لكنني تأقلمت
لأن الكائن الحي يتأقلم، ولكن هذا كله لم يغير تكويني الداخلي، ظل في
أعماقي الإنسان السوداني كما هو، استفدت من التجارب وتعلمت الاعتماد على
نفسي وأن أعيش في مجتمع يعتمد على العزلة، لكنني لم أتغير إلى الدرجة
التي أحب فيها هذا النوع من الحياة، بل مازلت اعتقد أن طريقنا في العيش
لعلها أفضل مع بعض التعديلات، نأخذها من هذه المجتمعات المعقدة التي
تطورت من الناحية المادية - مجتمعات صناعية - وهذا بطبيعة الحال يغير
من أسلوب العيش.